صيف ساخن ينتظر اليمن: تصاعد الحراك الانفصالي بالجنوب واستئناف التمرد الحوثي بالشمال.. واستياء قبلي في الشرق وتدهور معيشي قاتل
يبدو أن الصيف السياسي والأمني في اليمن هذا العام سيكون الأكثر سخونة من ذي قبل، لما نلمسه بشكل شبه يومي من تصاعد حدة التوترات السياسية والقلاقل الأمنية في الجنوب والشمال على حد سواء، كما أن دائرة الفلتان الأمني تتسع باستمرار، مصحوبة بتدهور اقتصادي غير مسبوق.
وأصبح المشهد السياسي والأمني في اليمن مصبوغا بلون الدم وتسيطر عليه عمليات الاحتراب الداخلي في أكثر من مكان والتي كانت بدأت كـ'مزحة' وانتهت بأزمة خانقة تهدد مستقبل اليمن ووضعه الحالي ولم يستطع النظام الخروج من شرنقته بسلام.
منذ العام 2004 وكل صيف يمني يشهد تحولا دراماتيكيا باتجاه خطير يسهم في تأزيم الوضع ويدفع بالمشهد اليمني نحو مزيد من التصعيد الأمني والسياسي والاقتصادي ويدخل البلد في مسارات غير مأمونة ومجهولة النهاية.
وتضاعفت هذه الأزمة السياسية ـ الأمنية في المحافظات الجنوبية اليمنية مع دخول هذا الصيف وازدادت سخونتها حدة لتشمل أغلب المناطق الجنوبية مع التفاوت في نسبة التوتر هنا او هناك، وأسهمت الاحداث في انفراط المحافظات الجنوبية من عقد الوحدة واحدة بعد الأخرى، بدءا من مديريات ردفان الأربع بمحافظة لحج التي كانت السباقة في الخروج عن سيطرة الدولة، لتتبعها محافظة الضالع كما أن العديد من مناطق محافظة أبين مرشحة لذلك، وكذا مناطق محافظات حضرموت وشبوه تسير على نفس الخطى.
تيارات الحراك الجنوبي ذات التوجه الانفصالي أو الحركات المتمردة على الوحدة تتجذر كل يوم في المحافظات الجنوبية وتزداد شعبية وتأييدا جماهيريا باستمرار هناك على الرغم من أن بدايتها كانت بسيطة وتتمحور أنشطتها حول قضايا مطلبية محدودة، ولكن عدم المعالجة الجذرية المبكرة لها والتجاهل لهذه المطالب دفع بالقائمين عليها إلى الاستمرار في أنشطتهم المعادية للنظام وشجّعهم التأييد الجماهيري على أن يتجرأوا ويجاهروا في عدائهم للوحدة ومناداتهم صراحة بفك الارتباط عن الشمال والعودة إلى عهد التشطير في اليمن الذي انتهى في العام 1990.
ومن أبرز المظاهر لهذه الدعوات الانفصالية رفع العلم الشطري للدولة الجنوبية ورفع صور علي سالم البيض، كأبرز رموز الانفصال الذي قاد المحاولة الانفصالية في حرب صيف عام 1994 حين انتهت الحرب لصالح القوات الحكومية الشمالية التي حافظت على كيان الوحدة اليمنية وأبعدت عنها شبح التشطير.
وفي المقابل انتهت الحرب السادسة في صعده بشمال اليمن بين القوات الحكومية وجماعة التمرد الحوثية في شباط (فبراير) الماضي لكنها مرشحة للاندلاع من جديد مع سخونة الوضع الراهن في العديد من مناطق التماس التي شهدت حربا ضروسا بين الجانبين العام الماضي.
الحكومة والحوثيون بدأوا يتبادلون الاتهامات حيال دفع الآخر لحرب سابعة، وبدأت لهجتهم التصعيدية ترتفع بشكل يومي ومناطق الشمال أصبحت مرشحة بشكل قوي لنشوب حرب جديدة وأصبح الطرفان يسيران باتجاه الحرب عمليا، وأن القضية أصبحت مسألة وقت وفي انتظار ساعة الصفر لدق طبول الحرب.
المشكلة السياسية الأخرى التي لا تقل خطورة عن سابقتها هي مسألة الانتخابات النيابية، المقرر إجراؤها في نيسان (إبريل) القادم، حيث تعتزم السلطة إجراءها في موعدها المحدد رغم عدم تسوية خلافاتها مع أحزاب المعارضة التي تطالب بتسوية الوضع الانتخابي أولا، الذي يشمل تعديل قانون الانتخابات وإعادة تشكيل اللجنة العليا للانتخابات والانتقال من نظام الدائرة إلى نظام القائمة النسبية وكانت هذه المشاكل السبب في تأجيل الانتخابات لمدة عامين. وفي ظل فشل العديد من المحاولات لتدشين حوار سياسي بين السلطة والمعارضة بشأن الانتخابات النيابية منذ الوصول إلى اتفاق بين الجانبين مطلع العام الماضي، أصبحت الانتخابات النيابية اليمنية في مهب الريح وفقا للعديد من المراقبين، خاصة إثر إخفاق العديد من الوساطات الخارجية في الوصول إلى حلول مقنعة للطرفين من أجل الجلوس إلى طاولة المفاوضات ناهيك عن الموافقة على إجراء الانتخابات في ظل الوضع الحالي.
وتزداد القضية تعقيدا مع اقتراب موعد إجراء هذه الانتخابات دون حسم الخلافات السياسية بين السلطة والمعارضة، والتي ستدخل الطرفان في حلقة مفرغة من الصراع، كما ستلعب دورا في تعثر إجراء العملية الانتخابية، بسبب عدم قانونية اللجنة الحالية للانتخابات لانتهاء صلاحيتها القانونية وكذا عدم صلاحية القانون الحالي للانتخابات.
ويعتقد العديد من المراقبين أن اليمن يسير حاليا باتجاه منعطفات خطيرة في ظل تصاعد القضايا والمشاكل والتدهور المريع للوضع الاقتصادي ولجوء الحكومة إلى حلول ترقيعية لرفد الميزانية العامة للدولة، عبر رفع الدعم عن المواد الأساسية ورفع تعرفة الخدمات الرئيسية كالكهرباء والمياه وخدمات الصرف الصحي، وهي ما ستضاعف من استياء الشارع اليمني تجاه الحكومة وستسهم في رفع نسبة الفقر في أوساط اليمنيين.